فلسطين أون لاين

94  عامًا على ثورة البراق.. ما أشبه اليوم بالبارحة

في حين تتواصل الدعوات للمشاركة في الحملة الإلكترونية لتكثيف الرباط والنفير والتواجد في المسجد الأقصى، والتصدي لاقتحامات المستوطنين، يغرّد آلاف النشطاء على وسم #لن_يقسم، مع قرب ذكرى ثورة البراق التي اندلعت قبل 94 سنة، فقد أمّ آلاف المصلين من مدينة القدس ومدن وبلدات الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 باحات المسجد منذ ساعات مبكرة من فجر الجمعة، وشهدت باحات الأقصى اعتكاف المئات من المصلين في المسجد الأقصى عقب صلاة الفجر، وسط ابتهالات دينية ودروس وقراءة القرآن، وتناول وجبات الإفطار جماعيًا، حتى أداء صلاة الجمعة بجموع غفيرة من المصلين الفلسطينيين، تلبية الدعوات لتكثيف الرباط والنفير والتواجد في المسجد الأقصى المبارك ليثبتوا تمسكهم به، ولإفشال مخططات صهيونية لتقسيمه.

هذا المشهد قد أعاد بنا الذاكرة إلى ثورة البراق عام 1929، حين احتفلت مجموعات صهيونية بحماية قوات الاحتلال البريطاني بيوم "خراب الهيكل" المزعوم في ساحة البراق، والهدف من ذلك الاستيلاء على حائط البراق الملاصق للمسجد الأقصى، في حينها ثار الشعب الفلسطيني واستطاع بدمائه إفشال ما يسعى إليه الصهاينة، وقد اندلعت اشتباكات واسعة بين العرب واليهود عند حائط البراق يوم 15 أغسطس 1929 تواصلت أسبوعًا، أسفرت عن عشرات من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، في حين قتل 133 صهيونيًا وجرح 339، وارتقت هذه الاشتباكات إلى ثورة كبيرة سميت بـثورة البراق "الثلاثاء الحمراء" وهي أول انتفاضة فلسطينية أتت ردًا على محاولة تهويد القدس في عهد الاحتلال البريطاني.

لم تكتف سلطات الاحتلال انحيازها للصهاينة ، بل أصدرت ضد أصحاب الحق أحكامها الظالمة بإعدام 27 فلسطينيًا، خُففت إلى 24، وقد نفذت حكم الإعدام بتاريخ 17/6/1930 في أبطال الثورة الثلاثة في سجن القلعة بعكا وهم: محمد جمجوم (من الخليل)، وعطا الزير (من الخليل)، وفؤاد حجازي (من صفد)، واليوم ومع إجراءات حكومة الاحتلال المتطرفة بمواصلة اقتحام الأقصى بهدف تقسيمه وفرض "سيادتها" كسلطة احتلال، وكأن التاريخ يعيد نفسه، إذ تفاجأ بهبة الشعب الفلسطيني فيما عرفت "بهبة الكرامة" من أجل الأقصى ليقود هذه المعركة كما قاد ثورة البراق من قبل، فلا يزال يحمل هذا الشرف الذي ناله في معارك التصدي والحفاظ على المقدسات هي من أشرف المعارك الوطنية، وليس التصارع على المناصب والتأهيل بالتعاون والتنسيق الأمني مع الاحتلال.

ما أشبه اليوم بالبارحة.. فمن ثورة البراق إلى ثورة الكرامة من أجل القدس والأقصى.. يؤكد الشعب الفلسطيني أنه هو صاحب الحق، ومالك للسيادة والقرار في الأقصى، كما مثَّلت ثورة البراق علامة فارقة في تاريخ الفلسطينيين بمواصلة الكفاح المسلح، في وقت امتدت الصراعات مع المحتل وصولًا لمعركة "سيف القدس" عام 2021، وقد دكت غزة حصون الاحتلال بصواريخها استجابة لنداء القدس، وهي الآن تذكره من العبث بالأقصى بأن سيفها لم يغمد بعد.

أما مواقف العرب الرسمية إزاء القدس والأقصى فهي ما تزال تراوح مكانها ولا تخرج عن إطار روتين الصمت المخجل، وكذلك قرارات الجامعة العربية الضعيفة، التي لا ترقى إلى مستوى المطلوب، فإذا اقتصرت أحلام الصهاينة في ذلك الوقت على الوصول إلى حائط البراق، وهذا ما لم يتحقق لهم إلا بعد أن هزموا الجيوش العربية سنة 1967، حيث أدى إلى احتلال مدينة القدس، فقد سكت العرب عن ضم الجزء الغربي للمدينة، ما أدى إلى تمادي الصهاينة في تهويد مدينة القدس وأجزاء من الأقصى.

قضية الأقصى تُحتم على كل مسلم وعربي وفلسطيني أن يقف سدًا منيعًا في وجه أطماع الصهاينة ومخططاتهم التهويدية، التي تنفذ شيئًا فشيئًا، حتى وصل الآن ذروتها إلى تقسيم الأقصى -بحسب خطة هليفي-، وإذا ما استمر الصمت العربي، سيَستغل الصهاينة هذا لمواصلة مخطط تهويد القدس والأقصى، ما يعني أن القدس قد حسمت كلها لليهود بما يسمونه "القدس الكبرى" أو "العاصمة الموحدة يمكن القول إن لمواجهة هذا المخطط الصهيوني يجب ألا تقتصر على المقدسيين، فالقدس هي عاصمة فلسطين والمسجد الأقصى المبارك، القبلة الأولى للعرب المسلمين، فهي قضيتهم أجمعين، وعليهم على الأقل دعم صمود الفلسطينيين وإفشال مخططات الصهاينة بالدفاع عن الأقصى، ومحاسبة الاحتلال في كل المحافل الدولية، ولا سيما وأن المسجد الأقصى معترف به بأنه مكان خاص بالمسلمين من المنظمات الدولية على رأسها منظمة اليونسكو.